السودان على مفترق طرق: مخاوف الجيش من التسليم بالسلطة المدنية
الخوف يخيّم على السودان، ليس من عودة الحرب، بل من مستقبل ما بعد الحرب. ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الصراع الدائر، يبرز سؤال جوهري: لماذا يبدو قادة الجيش في السودان مترددين، بل وخائفين، من العودة إلى الحكم المدني؟ هذا التردد ليس مجرد مسألة تكتيكية، بل يعكس مخاوف عميقة الجذور تتعلق بمستقبل النفوذ والسلطة في البلاد.
تاريخ من التدخلات العسكرية
لم يكن الجيش السوداني مجرد مؤسسة عسكرية، بل لطالما لعب دوراً محورياً في السياسة السودانية، بدءاً من الاستقلال وحتى اليوم. شهد السودان سلسلة من الانقلابات العسكرية، آخرها في أكتوبر 2021، مما أدى إلى تجميد التحول الديمقراطي الذي بدأ بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. هذا التاريخ الطويل من التدخلات يزرع شعوراً بالريبة لدى قادة الجيش، الذين يخشون من فقدان الامتيازات والنفوذ الذي اكتسبوه على مر السنين.
مخاوف اقتصادية وسياسية
لا تقتصر مخاوف الجيش على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد لتشمل الجانب الاقتصادي أيضاً. يسيطر الجيش على قطاعات اقتصادية واسعة في السودان، بما في ذلك الشركات والمشاريع الكبرى. العودة إلى الحكم المدني قد تعني خضوع هذه القطاعات للرقابة والمساءلة، وهو ما يثير قلق قادة الجيش. بالإضافة إلى ذلك، يخشى الجيش من أن يؤدي التحول الديمقراطي إلى فتح الباب أمام ملاحقات قضائية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال فترة حكمه.
صعوبة بناء توافق سياسي
تتفاقم هذه المخاوف بسبب غياب توافق سياسي واسع النطاق بين مختلف القوى السياسية السودانية. فالصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الخلافات العميقة بين الأحزاب السياسية المدنية، يجعل من الصعب بناء رؤية مشتركة لمستقبل السودان. في ظل هذا الوضع، يرى قادة الجيش أنهم الضامن الوحيد لاستقرار البلاد، وأن أي تسليم للسلطة قد يؤدي إلى الفوضى والعنف.
مبادرة ترامب: فرصة أم تحدٍ؟
تأتي مبادرة الرئيس ترامب في توقيت حرج، حيث يواجه السودان أزمة إنسانية واقتصادية حادة. وبينما تهدف المبادرة إلى فتح الطريق نحو تسوية سياسية وحكم مدني، فإن نجاحها يعتمد على قدرة الأطراف السودانية على التغلب على مخاوفها وبناء الثقة المتبادلة. هل ستنجح هذه المبادرة في إقناع قادة الجيش بالتخلي عن سلطتهم والسماح ببدء مرحلة جديدة من الديمقراطية في السودان؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
- التحديات الرئيسية: غياب الثقة، المصالح الاقتصادية المتضاربة، تاريخ التدخلات العسكرية.
- المخاطر المحتملة: استمرار الصراع، تفاقم الأزمة الإنسانية، انهيار الدولة.
- الفرص المتاحة: بناء توافق سياسي، تحقيق الاستقرار، إطلاق عملية تحول ديمقراطي حقيقية.
السودان يقف على حافة الهاوية، ومستقبله معلق بين أيدي قادته. فهل يختارون طريق السلام والديمقراطية، أم يستمرون في التشبث بالسلطة والتسبب في المزيد من المعاناة لشعبهم؟