تراجع الاستنفار يفاقم أزمة الجيش السوداني: نظرة أعمق
في خضم الصراع الدامي الذي يمزق السودان، يواجه الجيش تحديًا جديدًا يضاف إلى سلسلة معاناته: تراجع ملحوظ في الاستجابة لحملات الاستنفار التي أطلقها لتعزيز صفوفه. فبعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، وتقدمها في مناطق كردفان، لم تجد القيادة العسكرية والجهات المرتبطة بها، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، الاستجابة المرجوة من الشباب السوداني، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الفتور وتداعياته المحتملة على مستقبل المعركة.
أسباب فتور الاستنفار: ما وراء الدعوات الحماسية
لم يعد الأمر يتعلق بالشعارات الوطنية أو الخطابات الحماسية. هناك عوامل متعددة تتضافرت لتثبيط عزيمة الشباب وإبعادهم عن ساحات القتال. أبرز هذه الأسباب:
- ارتفاع الخسائر البشرية: تزايد أعداد القتلى والجرحى في صفوف المستنفرين، خاصةً مع نقص التدريب والتجهيز، أثار مخاوف عائلات الشباب وأقنعهم بضرورة حماية أبنائهم من الموت المحقق.
- فقدان الثقة في القيادة: تتزايد الاتهامات الموجهة للقيادات العسكرية بالفساد والإهمال وعدم الكفاءة، مما أدى إلى فقدان الثقة في قدرتهم على تحقيق النصر وحماية البلاد.
- طبيعة الحرب المتغيرة: تحول الصراع من مواجهات تقليدية إلى حرب استنزاف وحرب شوارع، تتطلب مهارات وخبرات لا يمتلكها غالبية المستنفرين، مما يجعلهم عرضة للخطر دون تحقيق أي فائدة تذكر.
- الأوضاع الاقتصادية المتردية: يعيش السودان أزمة اقتصادية حادة، تفاقمت بسبب الحرب، مما يجعل الشباب يفضلون البحث عن فرص عمل لتأمين معيشتهم بدلاً من الانخراط في صراع غير مضمون العواقب.
- الشكوك حول أهداف الحرب: تتزايد الأصوات التي تطالب بتوضيح أهداف الحرب الحقيقية، وما إذا كانت تستحق كل هذه التضحيات، خاصةً مع غياب رؤية واضحة للمستقبل.
تداعيات تراجع الاستنفار على مسار الصراع
إن تراجع الاستنفار يمثل ضربة قوية للجيش السوداني، ويضعف قدرته على مواجهة قوات الدعم السريع. هذا الفتور قد يؤدي إلى:
- توسع نفوذ الدعم السريع: مع ضعف الجيش، ستتمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على المزيد من المناطق، وتعزيز نفوذها في البلاد.
- إطالة أمد الحرب: غياب الدعم الشعبي للجيش سيجعل من الصعب عليه تحقيق النصر، مما سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية.
- زيادة خطر الانفصال: قد يؤدي استمرار الحرب إلى تفكك السودان، وظهور دول جديدة على أنقاضه.
مستقبل الاستنفار: هل من حلول؟
لمواجهة هذا التحدي، يجب على الجيش السوداني أن يعيد النظر في استراتيجيته، وأن يعمل على استعادة ثقة الشعب. يتطلب ذلك:
- تحسين أوضاع المستنفرين: توفير التدريب والتجهيز المناسبين، وتحسين ظروف المعيشة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.
- محاسبة المسؤولين عن الفساد والإهمال: إجراء تحقيق شفاف في الاتهامات الموجهة للقيادات العسكرية، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والإهمال.
- توضيح أهداف الحرب: تقديم رؤية واضحة للمستقبل، وشرح أهداف الحرب الحقيقية، وكيف ستعود بالفائدة على الشعب السوداني.
- السعي إلى حل سياسي: إعطاء الأولوية للحوار السياسي، والبحث عن حل سلمي للصراع، يضمن حقوق جميع السودانيين.
إن مستقبل السودان معلق على قدرة الجيش على استعادة ثقة شعبه، وتحقيق النصر في المعركة من أجل استعادة الديمقراطية والاستقرار. لكن هذا النصر لن يتحقق إلا من خلال الشفافية والمساءلة والعدالة.