في خطوة تصعيدية وغير مسبوقة، أطلق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير دعوة علنية إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لرفع الحصانة فوراً عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس والعمل على اعتقاله. تأتي هذه الدعوة في ظل تحذير بن غفير من تحركات دولية متصاعدة تهدف إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يشير إلى محاولة إسرائيلية لعرقلة أي تقدم دبلوماسي فلسطيني عبر إجراءات جذرية وغير تقليدية، في ظل تصريح “زنزانته جاهزة” الذي يختصر الموقف المتشدد.
دعوة صريحة ومبررات متشددة
لم تكن دعوة بن غفير مجرد تصريح عابر، بل حملت في طياتها تحدياً صريحاً للمجتمع الدولي والوضع الراهن في الشرق الأوسط. يعتبر بن غفير، المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة وتاريخه في إثارة الجدل، أن الرئيس عباس يقف وراء جهود دبلوماسية حثيثة تهدف إلى تعزيز مكانة فلسطين على الساحة الدولية، خاصة في ظل المطالبات المتزايدة بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. ويرى أن اعتقال عباس سيكون رادعاً لهذه التحركات، وموقعه على رأس السلطة الفلسطينية يجعله هدفاً مباشراً لمثل هذه الدعوات التحريضية.
إن العبارة “زنزانته جاهزة” التي حملها العنوان، تعكس مدى الجدية والحدة في مطالبة بن غفير، وتبرز النبرة المتشددة التي تميز خطابه السياسي، والتي تهدف إلى إرسال رسالة قوية مفادها أن إسرائيل لن تتهاون مع أي جهود فلسطينية تهدف إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية يعتبرها بن غفير تهديداً مباشراً للأمن الإسرائيلي ومستقبل الوجود اليهودي.
سياق التوترات الإقليمية والدولية
تكتسب دعوة بن غفير أهمية خاصة في سياق إقليمي ودولي ملتهب وغير مستقر. فبعد أشهر من التصعيد العسكري في قطاع غزة والضفة الغربية، ومع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لقبول حل الدولتين، تسعى السلطة الفلسطينية إلى استغلال الزخم الدولي لدفع ملف الاعتراف بدولتها قدماً على الساحة العالمية. وقد شهدت الأسابيع الماضية تصويتاً حاسماً في الأمم المتحدة، ودعوات متتالية من دول أوروبية لتقديم الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وهو ما يراه اليمين الإسرائيلي المتطرف تهديداً وجودياً يجب مواجهته بكل السبل الممكنة.
مثل هذه الدعوات لاعتقال قادة أجانب أو رؤساء دول – حتى لو كانوا في إطار صراع سياسي معقد – غالباً ما تثير جدلاً واسعاً وتساؤلات حول القانون الدولي، وحصانة رؤساء الدول، وتأثيراتها المحتملة على استقرار المنطقة. كما أنها تضع رئيس الوزراء نتنياهو أمام تحدي الموازنة الدقيقة بين إرضاء شركائه اليمينيين المتطرفين في الحكومة الائتلافية الحالية والتعامل مع التداعيات الدولية المحتملة لأي خطوة من هذا القبيل.
التداعيات المحتملة: بين التصعيد الدبلوماسي والأمني
إذا ما استجاب نتنياهو بالفعل لهذه الدعوة التحريضية، فإن التداعيات المتوقعة ستكون عميقة وواسعة النطاق على جميع الأصعدة:
- تصعيد إقليمي وأمني: قد يؤدي اعتقال الرئيس عباس إلى موجة غضب عارمة واحتجاجات عنيفة وغير منظمة في الأراضي الفلسطينية، مما يهدد الاستقرار الأمني الهش في المنطقة بأسرها.
- عزلة دولية متزايدة لإسرائيل: من المرجح أن يواجه أي تحرك كهذا إدانة دولية واسعة وغير مسبوقة، ويزيد من عزلة إسرائيل الدبلوماسية في وقت تتزايد فيه الضغوط العالمية عليها بشكل غير مسبوق.
- تقويض السلطة الفلسطينية: سيؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية بشكل كبير، وقد يخلق فراغاً سياسياً ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
- تأثير مدمر على أي مفاوضات مستقبلية: سيقضي على أي فرصة، ولو كانت ضئيلة، لاستئناف مفاوضات السلام بين الطرفين في المستقبل المنظور، ويجعل الحل السلمي بعيد المنال.
تبقى هذه الدعوة في الوقت الراهن مجرد اقتراح من وزير متشدد، لكنها تعكس التوترات الكامنة والمستقبل الغامض للعلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، وتؤكد على أن الصراع الدبلوماسي والسياسي لا يقل حدة عن الصراع العسكري على الأرض، وأن التصريحات المتطرفة قد تشعل فتيل أزمات كبرى.