هل يتسلل التطرف إلى قلب الجيش السوداني؟
في خضمّ الصراع الدامي الذي يمزّق السودان، تطفو على السطح اتهامات خطيرة تتعلّق بتغلغل عناصر متشددة داخل المؤسسة العسكرية. هذه الاتهامات، التي تكتسب زخماً مع استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الأمن والاستقرار في البلاد، وتلقي بظلالها على أي حل سياسي ممكن.
نفي البرهان يثير المزيد من الشكوك
في تصريح مفاجئ، نفى قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وجود أي عناصر تابعة لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش. هذا النفي، الذي جاء في وقت حرج، لم يهدئ المخاوف المتصاعدة، بل زادها حدة. يرى مراقبون أن هذا الإنكار قد يكون محاولة لتهدئة بعض الأطراف الإقليمية والدولية، أو ربما لإخفاء حقيقة معقدة يصعب الاعتراف بها علناً.
خلفيات تاريخية وتحديات معاصرة
لم يكن الحديث عن وجود تيار إسلامي متشدد داخل الجيش السوداني جديداً. ففي العقود الماضية، شهدت المؤسسة العسكرية تحولات أيديولوجية متتالية، خاصةً في ظلّ فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير. خلال تلك الفترة، تمّ دمج عناصر من حركات إسلامية مختلفة في الجيش، مما أدى إلى تشكيل شبكات نفوذ معقدة. مع سقوط البشير، كان من المتوقع إجراء إصلاحات جذرية في الجيش، لكن هذه الإصلاحات لم تتحقق بالكامل، مما أفسح المجال أمام استمرار هذه التيارات المتشددة.
ماذا يعني تغلغل المتشددين؟
إذا ما ثبتت صحة هذه الاتهامات، فإن تغلغل المتشددين في الجيش السوداني يحمل في طياته مخاطر جمة. من بين هذه المخاطر:
- تأثير على مسار الحرب: قد يؤدي وجود عناصر متشددة إلى تعقيد مسار الحرب، وتحويلها إلى صراع أيديولوجي أعمق.
- عرقلة الإصلاحات: قد يعرقل المتشددون أي محاولات لإصلاح الجيش، وإعادة هيكلته على أسس وطنية.
- تهديد الاستقرار الإقليمي: قد يشكل الجيش السوداني، إذا ما سيطر عليه المتشددون، تهديداً للاستقرار الإقليمي، خاصةً في منطقة القرن الأفريقي.
تحليل المشهد: بين الحاجة للإصلاح والواقع المعقد
الوضع في السودان معقد للغاية، ولا يمكن اختزاله إلى مجرد صراع على السلطة. هناك عوامل تاريخية وأيديولوجية واقتصادية متداخلة تلعب دوراً في تأجيج الصراع. إصلاح الجيش السوداني هو أمر ضروري لتحقيق الاستقرار، لكنه يواجه تحديات كبيرة. يتطلب هذا الإصلاح إرادة سياسية حقيقية، ودعماً دولياً، وحواراً شاملاً يضم جميع الأطراف المعنية. إن تجاهل هذه التحديات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وتحويل السودان إلى بؤرة جديدة للتوتر وعدم الاستقرار.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن السودان من التغلب على هذه التحديات، وبناء جيش وطني موحد يحمي البلاد ويحافظ على أمنها واستقرارها؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل السودان بأكمله.