من السلاح إلى السياسة: تحول جديد في استراتيجية القاعدة بمالي
في تطور مفاجئ قد يعيد رسم خريطة الصراع في منطقة الساحل الأفريقي، أعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، الذراع الإقليمي لتنظيم القاعدة في غرب إفريقيا، عن بيان جديد يحمل في طياته تحولاً ملحوظاً في أسلوبها وخطابها. البيان، الذي وصفه مراقبون بأنه “منعطف سياسي”، لا يكتفي بالدعوة إلى تطبيق الشريعة، بل يتضمن تحذيرات موجهة بشكل مباشر إلى دول إقليمية، وعلى رأسها تركيا، ويدعو إلى انتفاضة شعبية ضد الحكومة العسكرية الحاكمة في مالي.
خطاب سياسي جديد.. ما الذي تغير؟
لطالما اعتمدت “نصرة الإسلام والمسلمين” على التكتيكات العسكرية والهجمات المسلحة كأداة رئيسية لتحقيق أهدافها. لكن البيان الأخير يمثل خروجاً عن هذا النمط التقليدي، حيث يركز على استمالة الرأي العام من خلال طرح رؤية سياسية بديلة. هذا التحول قد يعكس إدراكاً من التنظيم بأن الاعتماد على العنف وحده لم يعد كافياً لتحقيق الاستقرار أو توسيع نفوذه في المنطقة.
التحذير الموجه إلى تركيا، التي تزايد دورها في مالي من خلال التعاون العسكري والاقتصادي مع الحكومة الحالية، يمثل رسالة واضحة مفادها أن التنظيم يعتبر أنقرة طرفاً في الصراع. أما الدعوة إلى انتفاضة شعبية في باماكو، فهي محاولة لاستغلال حالة السخط الشعبي المتزايد ضد الحكم العسكري، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2020.
السياق الإقليمي: مالي على مفترق طرق
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه مالي حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني. الانقلاب العسكري أدى إلى تعليق الدستور وتأجيل الانتخابات، مما أثار غضب المجتمع الدولي. بالإضافة إلى ذلك، تواجه مالي تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك الفقر والبطالة وتدهور الخدمات الأساسية.
- تزايد نفوذ الجماعات المسلحة: استفادت الجماعات المسلحة، بما في ذلك “نصرة الإسلام والمسلمين”، من حالة الفراغ الأمني والسياسي لتعزيز نفوذها في مناطق واسعة من البلاد.
- الوجود الفرنسي المتراجع: انسحاب القوات الفرنسية من مالي، بعد سنوات من التدخل العسكري، أدى إلى تفاقم الوضع الأمني وفتح الباب أمام قوى إقليمية أخرى لملء الفراغ.
- التحالفات المتغيرة: تشهد المنطقة تحالفات متغيرة بين الجماعات المسلحة والدول الإقليمية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
تحليل وتوقعات
البيان الصادر عن “نصرة الإسلام والمسلمين” يمثل محاولة ذكية من التنظيم لتوسيع قاعدة دعمها من خلال استهداف شرائح جديدة من المجتمع المالي. من خلال تبني خطاب سياسي، يسعى التنظيم إلى تقديم نفسه كبديل للحكم العسكري الحالي، واستغلال حالة السخط الشعبي لصالحه.
يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه الاستراتيجية الجديدة ستنجح في تحقيق أهداف التنظيم. يعتمد ذلك على عدة عوامل، بما في ذلك قدرة التنظيم على استمالة الرأي العام، ومدى استجابة الشعب المالي لدعوته إلى الانتفاضة، وقدرة الحكومة العسكرية على الحفاظ على سلطتها. من المؤكد أن التطورات الأخيرة في مالي ستشكل تحدياً كبيراً للمنطقة بأسرها، وستتطلب جهوداً مكثفة من المجتمع الدولي لإعادة الاستقرار إلى البلاد.