النيجر.. حين يتحوّل اليورانيوم إلى إرث من النفايات السامة

النيجر: ثمن اليورانيوم.. حياة معلقة بين المناجم والنفايات

على مرمى البصر، تتشابك حياة سكان مدينتي أرليت وآكوكان في شمال النيجر مع لعنةٍ خفية، إرثٌ سامٍ خلفته عمليات استخراج اليورانيوم لعقود. فبين جدران المنازل الطينية المتداعية وأكوام المخلفات الإشعاعية الشاهقة، تتكشف قصة مجتمع يعيش على حافة الهاوية، يدفع ثمنًا باهظًا لتلبية احتياجات عالم آخر.

اليورانيوم.. كنز أم سم قاتل؟

لطالما كانت النيجر موردًا رئيسيًا لليورانيوم، حيث تزود فرنسا بشكل خاص بكميات كبيرة من هذا المعدن الحيوي المستخدم في إنتاج الطاقة النووية. لكن هذا الاعتماد على اليورانيوم لم يأتِ دون ثمن. فبينما تستفيد الدول المستوردة من الطاقة النظيفة نسبيًا، يواجه السكان المحليون في النيجر خطرًا متزايدًا بسبب التلوث الإشعاعي.

المشكلة لا تقتصر على المخلفات النووية فحسب، بل تمتد لتشمل المياه الجوفية الملوثة، والتربة السامة، والهواء المحمل بالجزيئات المشعة. هذه العوامل تتسبب في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل السرطان، وتشوهات الأجنة، ومشاكل الجهاز التنفسي، وفقًا لتقارير منظمات حقوقية وبيئية.

حياة يومية في ظل الخطر

يصف السكان المحليون حياتهم بأنها “معلقة بين السماء والأرض”. فبينما يمثل العمل في المناجم مصدر دخل أساسي للعديد منهم، إلا أنه يأتي مصحوبًا بمخاطر صحية جمة. أما أولئك الذين لا يعملون في المناجم، فيعانون من تداعيات التلوث الإشعاعي على صحتهم ومحاصيلهم الزراعية.

  • نقص الرعاية الصحية: تعاني المنطقة من نقص حاد في المرافق الطبية والمختصين، مما يزيد من صعوبة تشخيص وعلاج الأمراض المرتبطة بالإشعاع.
  • غياب الشفافية: يشتكي السكان من عدم وجود معلومات كافية حول المخاطر الإشعاعية وكيفية الوقاية منها.
  • تجاهل المطالب: يرى السكان أن الحكومة والشركات المستخرجة لليورانيوم تتجاهل مطالبهم بتعويضات عادلة وتحسين الظروف المعيشية.

ماذا عن المستقبل؟

يثير الوضع في النيجر تساؤلات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات العاملة في قطاع التعدين، ودور الحكومات في حماية صحة وسلامة مواطنيها. فهل يمكن تحقيق التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية وضمان مستقبل صحي وآمن للأجيال القادمة؟

الحاجة ملحة إلى إجراء دراسات بيئية شاملة لتقييم حجم التلوث الإشعاعي، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمتضررين، وتطبيق معايير سلامة صارمة في عمليات استخراج اليورانيوم. كما يجب على الشركات المساهمة في تنويع مصادر الدخل في المنطقة، وتوفير فرص عمل بديلة للسكان المحليين.

إن قضية اليورانيوم في النيجر ليست مجرد قضية بيئية أو صحية، بل هي قضية عدالة اجتماعية وحقوق إنسان. فالسكان المحليون يستحقون أن يعيشوا حياة كريمة وصحية، بعيدًا عن شبح النفايات السامة التي تهدد مستقبلهم.

Scroll to Top